النجف نيوز – الأطفال في الحج .. يرسمون لوحات الفرح بنسيج النقاء والصفاء

ديسمبر 29, 2011
113

منى – واس

اتفق الحجاج في كل شيئ ، وتوحدوا لباسا وهدفا ووجهة ، الكل تقاطر لصعيد الله الطاهر ملبين ومهللين ومكبرين ، متمنين القبول وراجين المغفرة ، مسرورون بالحج العظيم ، قد بدت البسمة على محياهم ، وظهرت ملامحها في الوجوه ، لينالوا رحمة ربهم ومغفرته ، وليعودوا كيوم ولدتهم أمهاتهم كنقاء الأطفال ، وقد نفضوا الذنوب ، وغسلوا خطاياهم ، كما يُغسل الثوب الأبيض من الدنس ، فَسَمَتْ ابتسامة الرضى في الجباه ، وغرقت المآقي بالدموع فرحا وسرورا.

ولكن يبدو أن هناك من هو أكثر ألقا وفرحا وسعادة بهذه العبادة العظيمة ، هم أطفال الحج أتوا يرسمون لوحات الفرح البريئة بنسيج النقاء والصفاء والطهارة.

الأطفال في الحج .. زينة الدنيا وبهجتها ، قدموا مع ذويهم ليشاركوهم فرحتهم بإتمام الركن الخامس من أركان الإسلام ، وإذ بهم يَفْرِشون الصعيد ببسماتهم ، وينثرونها بين الحجاج ، لتزهو ملامح الرضا ، وتغدوا قوافل الحجاج واحة فيّاضة بالحب والرحمة.

تتعدد صور ابتسامة الأطفال البرّاقة في الحج ، وتختلف مواقفها وظروفها ، إلا أنها توحدت شكلا ومضمونا ، فالبسمة هي المرافق الرئيسي لهم راجلين وراكبين ، أو محمولين على الأكتاف وعلى العربات الصغيرة ، في تعبير أن لاشيئ أصدق من الابتسامة للتعبير عن الشعور بالسعادة و ما يكنه الفؤاد من شعور صادق ، منبعه قلب خافق بذكر وحب بأحاسيس دفاقة ، ودموع تملأ أحداق العيون فرحا بما أنعم الله به على ضيوف الرحمن بإتمام فريضة الحج.

فالابتسامة لغة أحسها حجاج بيت الله الحرام وعاشوا لحضاتها بين المشاعر المقدسة في انعكاس لنجاح موسم حج هذا العام 1432هـ .

تراهم يبتسمون تحت أشعة الشمس الدافئة وهم يفيضون إلى عرفات ، ملبين أمر الله ، ويدلفون إلى مزدلفة طائعين أوامره ، ليختموا حجهم برمي الجمار في مشعر منى.

الكل يبتسم حتى ذلك الطفل الصغير في شهوره الأولى .. لا لشئ إلا أنه رأى والديه تعلوهم ابتسامة الرضى والتفاؤل بالقبول وإن خالجه التعب.

اللآفت في هذا الصدد أن أطفالا مازالوا في الشهور والسنوات الأولى من عمرهم يشهدون الحج مع الآباء. فمشهد اصطحاب بعض حجاج بيت الله الحرام لأطفالهم الصغار إلى الحج بات مألوفا ، ويتكرر كل عام في هذا الاحتشاد في المشاعر المقدسة الذي يجمع الملايين من أصقاع الأرض في مكان واحد.

وعلى الرغم من المخاطر التي يكتنفها اصطحاب الأطفال للحج مع عدم إدراك الطفل – لصغر سنه – خطورة ذلك ، إلا أن هناك أسرا تنبهت لذلك منذ وقت مبكر ، وقاموا بتطعيم أطفالهم ضد الأمراض.

في أثناء ذلك يبين الحاج مصطفى اليوسفي من جمهورية مصر العربية الذي اتخذ عربة صغيرة لابنته التي لم يتجاوز عمرها تسعة أشهر أنه أحضر ابنته معه نظرا لأنه ليس لديه من يرعاها في حالة غيابه ، مؤكدا إدراكه لخطورة كثافة الحجيج في المشاعر وأنه يحرص على تجنيب ابنته الخروج من المخيم كثيرا كما أنه تم تحصينها باللقاحات وتستخدم الكمامات .

وقال : كنت حريصا على سلامة ابنتي ، وودت عدم إحضارها ، ولكن لم أجد دون ذلك سبيلا إلا إحضارها ، وأتمنى لو كانت هناك مراكز برسوم مخفضة لرعاية أطفال الحجاج ، لتركت طفلتي عندهم لحين اكتمال أداء المناسك ومن ثم أطمئن عليها وأؤدي مناسك الحج وأنا صافي الذهن مرتاح البال.

الحاج خالد العيسوي من جمهورية العراق يتحدث لـ ” واس ” وهو حامل طفله الصغير على كتفه ، وقد ألبسه ملابس الإحرام على الرغم من صغر سنه الذي لا يتجاوز السنة والنصف فيقول : رزقني الله قبل ثلاثة أشهر بتوأمين من البنات ، وما عادت زوجتي قادرة على رعاية طفلي البكر ، فاضطررت لاصطحابه معي ، وأنا على كل حال سعيد بوجوده معي لأنني سألجأ إليه لمساعدتي في يوم من الأيام.

نظير ذلك يبدى حجاج آخرون سعادتهم الغامرة باصطحاب أطفالهم معهم خلال أداء النسك في المشاعر المقدسة ، وفي المسجد الحرام لأن ذلك – في رأيهم – يعطيهم شعورا بالراحة وهم ينظرون إلى أطفالهم بملابس الإحرام ، ويتبادلون الابتسامة الصادقة بين الطفل مع أمه وأبيه.

أما الحاج زهير رشيد من السودان فلم تمنعه الإعاقة من حمل حفيديه في حضنه ، قبيل لحظات الأصيل في عرفات يوم أمس ، كما لم تمنعه الإعاقة أن يقف أمام أحد الباعة ليشتري لهم بعض المرطبات ، معربا عن سروره العميق بنجاح وقوفه في عرفه ، وهو يهم بالنفرة إلى مزدلفة .

ويقول : تملؤني السعادة وتغمرني الفرحة الآن ، وأنا أؤدي مناسك الحج ، بصحبة عائلتي وحفيديّ الجميلين حسن وحسّان.

كذلك الحاج محمد من تركيا وهو في الأربعين من عمره أحضر ابنه البالغ ست سنوات وهو سعيد بأن يرمي الجمرات ويطوف في المسجد الحرام حامدا الله أن بلغه ليشهد هذا المنظر كما فعل معه والده قبل أكثر من 30 عاما .. وقال : جميل أن نعلم الأطفال ونربطهم بدينهم العظيم ويشاهدوا التجمع الإنساني المليوني الإسلامي الكبير.

أما الحاج سوان بو من الصين فقد تسمّر أمام كمرة ابنته ذات التسع سنوات بانتظار اللقطة التذكارية ، لتكون عنونا لصفحة من صفحات الحج البيضاء ينقلونها معهم لبلادهم .

ويقول الحاج بلغة عربية مكسرة : سأبروز الصورة ، وسأضعها في غرفة ابنتي لتكون ذكرى ليوم عظيم ، إنها لا تتكرر أبدا بالنسبة لنا ، نحن نحرص على التقاط الصور ، ونحتفظ بها .. ربما يأتي يوم من الأيام تكون ابنتي بعمري وتضع صورة ابنها وهو في المشاعر المقدسة بجوار صورتي.

وفي مشهد يتكرر كل عام يقوم بعض الحجاج باصطحاب أطفالهم عند رمي الجمرات الذين حرص آباؤهم باندفاع عاطفي إلى دفع أبنائهم بين الحشود لرمي الجمار على جسر الجمرات الجديد ، فيما حرص آخرون يوم عرفة على الصعود بهم إلى جبل الرحمة وغير ذلك من الأمور بحماس لتكوين تجربة جديدة لهذا الطفل الذي لا يدرك أهمية ومكانة هذه المشاعر .

في جانب آخر تتمركز الكشافة السعودية كل عام في مختلف المواقع في المشاعر المقدسة ، وتكون حاضرة في كل خدمات الحج تمد يد العون لكل ضيوف الرحمن ، وكان أحد أهدافها هو إيواء الأطفال التائهين والعمل على إعادتهم لأهليهم وسط ملايين الحجاج في عرفات ومنى وتسلية الأطفال لحين تسليمهم لأسرهم ، وقد استخدمت الكشافة في ذلك وسائل التقنية الحديثة من خلال الإعلان عن صور الأطفال التائهين على موقع للكشافة على الإنترنت.

وفي هذا الإطار أبدى عدد من الحجاج إعجابهم بجهود الكشافة ، وما شاهدوه في الميدان من مساعدات تطوعية من نشاط الكشافة السعودية داعين لهم بالأجر والمثوبة.

وتحرص في هذا الإطار جمعية الكشافة السعودية على خدمة الأطفال التائهين في المشاعر المقدسة وفي المسجد الحرام ، وهيأوا حضانة نموذجية يعمل بها أكثر من عشرين امرأة ورجل للعناية بالطفل على مدار 24 ساعة.

وتتكون الحضانة من فصول تعليمية ترفيهية وطاولة رسم وشاشات عرض للبرامج التي تلهي الطفل بشيئ من المرح لحين وصول ذويه.

وتطبق الجمعية التي تتخذ عدة مواقع في عرفات ومنى ومزدلفة قاعدة (بث السنن) التي تندرج تحتها إطعام الطعام وإفشاء السلام ومساعدة الكبير والعطف على الصغير وإحياء سنة التكبير ، ومنها أيضاً المعايدة التي يستفيد منها تقريباً أكثر من 600 ألف معتمر في الأيام الستة من عيد الفطر المبارك ، أما في الحج فيكون المعايدة في المشاعر المقدسة فهو عبارة عن توزيع بطاقات المعايدة وتوزيع الحلوى والهدايا وتوزيع البالونات على الأطفال .

كما كان لرجال الأمن حضور الأب بالنسبة للأطفال التائهين عن أسرهم في تعاطف مع طفل لا يملك قرارا في حجه وقد تناثرت دموعه بضياعه عن أهله ، فيتولى رجل الأمن رعايته والبحث عن سبيل إعادته لذويه وإخراجه من حشود الحجاج بسلامة

الاقتصادية

التصنيفات : ارشيف الاخبار
استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والاعلان