النجف نيوز – البدايات الأولى لتفسير القرآن الكريم التفسير في عصر الرسو ل (صلى الله عليه وآله وسلم)
أ.م.د. سيروان عبد الزهرة الجنابي كلية الاداب/جامعة الكوفة
يعد النص القرآني النص الأخصب –دلالياً ومضمونياً- على وجه الإطلاق؛ إذ لا حدَّ لتوارد غرائبه ولا نطاق لتوقف عجائبه فلا وجود لنصٍ مماثل له يعاصر جميع الأزمنة سواه؛ لأنه التعبير الوحيد الذي لا يخضع لعامل الزمن ولا يسع أيُّ مستوى معرفي لأيِّ جيلٍ أن يفهم كل ما فيه من معانٍ وغايات بعيدة المدى، فالقرآن الكريم نزل على وفق اللسان العربي لكن هذا لا يعني أنَّ جميع نصوصه مفهومه من قبل مَن عاصرو نزوله وقتذاك؛ لأنَّ أبناء اللغة الواحدة وإن كانوا يتعاملون باللغة نفسها فإنَّ القدرة على التخاطب لا تعني بالضرورة أن كل فرد منهم ملمٌ بكل مفردات تلك اللغة و مطلعٌ على جميع معانيها وعارفٌ باساليبها كافة،؛ فمعرفته بلغته وقدرته على التكلم بها لا يعني باللزوم أنه قد استوعب لغته كلها أو انه قادرٌ على استيعابها.
من هنا نقول إنَّ الصحابة الذين عاصرو نزول القرآن الكريم في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت تستشكل عليهم بعض معاني المفردات فيذهبون إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لإيضاحها؛ لأنَّهم كانوا يفهمون القرآن وقتذاك فهما إجمالياً كلياً لا فهماً تفصيلاً فلا يسع احد منهم أن يستوعب كل معاني القرآن؛ لفقدانه القدرة على استيعاب كل تفاصيل اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم من جهة ولعدم انسجام بعضهم الآخر مع أفكار ومضامين القرآن من جهة أخرى( )؛ ذلك بانَّ القرآن الكريم قد استعمل بعض المفردات العربية على غير معانيها التي كانت تستعمل لدى العرب في ذلك الوقت فحينما ترد في سياق النص لا يفهمها العربي ولا ينسجم مع مضمونها لأنها بعيدة عن نطاق استعماله أو لأنه ما زال بعيداًَ عن روح النص فتصوره مازال محدداً مقيداً بالمعتقدات الجاهلية؛ لذا يحتاج الصحابي منهم وقتذاك إلى إيضاح لمعاني النص القرآني؛ فظهرت من هنا بدايات التفسير القرآني على يد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأنه الوحيد القادر على تفسير النص وإيضاحه في زمن النزول، ثم أن مهمته الرسالية تفرض عليه ذلك؛ إذ أوكل سبحانه للرسول مهمة بيان النص إلزاماً في غير موضع من كتابه العزيز من ذلك قوله تعالى ((كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ))( ) وقوله أيضاً ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ))( ) فقوله في الآية الأولى (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) تدل على أنَّ الرسول مكلف من الله تعالى في تعليم النص القرآني وإيضاح معانيه تفسيراً؛ ثم إن قوله (وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) فيه دلالة واضحة على أنهم لا يعلمون كل ما في القرآن الكريم وان فهمهم له إجمالي وان من القرآن ما يحتاج إلى بيان منه (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وكذا الحال فيما يخص الآية الثانية حيث نجد فيها قوله (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) فكان واجب على الرسول أن يبين عموم ما في النص القرآني .
وما يعضد كون الصحابة يحتاجون إلى بيان بعض نصوص القرآن هو ما ورد عنهم تردد في فهم بعض معاني القرآن من ذلك ما ((روي من أن أبا بكر سئل عن قول الله تعالى {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً}( ) فلم يعرف معنى الأب من القرآن وقال أي سماء تظلني أم أي أرض تقلني أم كيف أصنع إن قلت في كتاب الله بما لا أعلم أما الفاكهة فنعرفها وأما الأب فالله اعلم )) ( ) ، وفي موضع آخر روى ((انس بن مالك قال: إن عمر قرأ على المنبر: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً* وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً* وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} ( ) قال: كل هذا عرفناه فما الأب؟ ثم رفض عصا كانت في يده فقال: هذا لعمر الله هو التكلف، فما عليك أن لا تدري ما الأب؟ اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه))( ) فعمر وأبو بكر لم يستطيعا أن يفهما معنى لفظة (الأب) في الآية، لهذا احتيج إلى تفسير هذه اللفظة، ففسرها الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله إن الأب تعني الحشائش؛ إذ ((بلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) مقالته* في ذلك فقال: سبحان الله أما علم أن الأب هو الكلاء والمرعى وأن قوله سبحانه {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} اعتداد من الله بإنعامه على خلقه فيما أغذاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم مما تحيى به أنفسهم وتقوم به أجسادهم))( ) فكان الإمام مفسراً – والحال هذه- لهذه المفردة في الآية؛ وللمتأمل في النص التفسيري للإمام يجد انه (عليه السلام) قد أسس لنا حيثيةً تفسيريةً غايةً في الروعة؛إذ وضح طريقة جديدة الاستظهار المعنى لقرآني لم تكن ملحوظة من قبل، للمفسر ان ينتهجها للوصول إلى مضامين كانت غائبة عليه في النص؛ إذ لو عدنا إلى نص الإمام في قوله (اعتداد من الله بإنعامه على خلقه فيما أغذاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم مما تحيى به أنفسهم) لوجدنا أن مقولته (فيما أغذاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم) قد بنيت على قراءة دقيقة للاية اللاحقة على هذه الاية –التي نحن في صدد الحديث عنها- والآية اللاحقة هي قوله تعالى ((مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ))( ).
بهذا ندرك ان الامام قد استعمل حيثية التقابل النصي في استظهار معنى لفظة (الأب) حيث يكون تمام النص على النحو الآتي {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً* وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً* وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} فالفاكهة متاع للإنسان المخاطَب، والأب متاع للأنعام التي سخرها سبحانه لخدمة الإنسان، فكان وجود الاب ضرورة لديمومة خدمة الانسان؛ لان انتفائها يقتضي انتفاء الأنعام بالضرورة؛ من هنا نلحظ أن الإمام قد فسَّر هذه اللفظة بنصه (فيما أغذاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم) تأسيساً على الطريقة التي تعمل على بيان جزء النص بجزئه المقابل، وبهذا يمكن القول إن الإمام لم يفسر هذه المفردة فحسب؛ بل أوحى لنا بطريقة جديدة في التفسير يمكن توظيفها لاستنباط مضامين النص، وعليه نقول ان عقول الصحابة كانت متباينة في درجة ادراكها لدلالة الآية الواحدة؛ بل هي متباينة حتى في حيثية فهم الآية واستخراج معناها أصالة.
ومن ذلك أيضا ما نقل عن ابن عباس من انه لم يكن يعرف معنى لفظة (فاطر) حيث يقول: ((كنت لا ادري ما فاطر السماوات حتى أتاني اعرابيان قد تخاصما في بئر فقال احدهما: أنا فطرتها أي أنا أبتدعتها))( )
ان هذه الرويات وغيرها تدل دلالة واضحة على أن الصحابة لم يكونوا يعلموا كل ما في القرآن وإن منهم من يحتاج إلى معرفة ما استغلق عليه وغمُض؛ لذا كان من الواجب على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يفسر لهم ما اختلف في فهمه او ما لم يستطيعوا الوصول الى معرفته.
من هنا ((تصدى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لتفصيل ما اجمل في القرآن إجمالاً، و بيان ما أبهم منه أما بياناً في أحاديثه الـشريفة وسيرته الكريمة، أو تفصيلاً جاء في حل تشريعاته من فرائض و سنن و أحكام و آداب، كـانـت سنته (صلى الله عليه وآله وسلم) قولاً وعملاً وتقريراً،كان كلها بياناً و تفسيراً لمجملات الكتاب العزيز وحل مـبهماته في التشريع والتسنين))( ).
ومما ورد من تفسير عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبعض ما أشكل على الصحابة معرفة هو تفسيره (صلى الله عليه وآله وسلم) للفظة (الصلاة)؛ إذ كانت تعني لدى العرب (الدعاء) غير انه سبحانه وجَّه هذا اللفظ إلى خصوصيات معينة؛ لذا أشكل معنى هذه اللفظة على الصحابة في قوله تعالى ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ))( ) إذ إن لفظتي (الصلاة) و(الزكاة) مجملتان في هذه الآية لأنَّ لفظة الصلاة في اللغة تعني الدعاء، أما لفظة الزكاة فمعناها الأصل هو (النماء)،( ) غير أنَّ الله تعالى جاء بهاتين اللفظتين على غير ما عُرِف لهما من معنى أصل لدى العرب، ((فقد أمرهم تعالى بالصلاة والزكاة على سبيل الإجمال))( ) المبهم في هذه الآية، ولكن لربَّ سائلٍ يسأل ((كيف أمروا بالصلاة والزكاة وهم لا يعرفون حقيقة ما في الشريعة؟ قيل: إنما أمروا بذلك لأنهم أحيلوا فيه على بيان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ إذ قال ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) ( ) ولذلك جاز أن يأمرهم بالصلاة والزكاة على طريق الجملة ويحيلهم في التفصيل على بيان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)))( ) في السنة، فالزكاة لا يراد منها معناها اللغوي وإنما يراد شرائطها ومقاديرها وما تجب عليه التي بينها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فـ ((الزكاة في الشريعة ما يجب إخراجه من المال نماء ما يبقى ويثمر))( ) وكذا الحال للصلاة فهي ((في الشرع عبارة عن الركوع والسجود على وجه مخصوص وأركان وإذكار مخصوصة))( ) وقد فسرها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا بقوله للناس حينما أدى الصلاة أمامهم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))( ) فكان المعنى الشرعي للصلاة مجملا عليهم وقتذاك لاحتواء المعنى على خصوصيات ((القيام والركوع والسجود والتسبيح ومراعاة حدودها الظاهرة من الفرائض والسنن وحقوقها الباطنة من الحضور والإقبال بالقلب والجوارح))( ) فهذه الأمور كانت مبهمة لديهم لجهلهم بها؛ فاحتاجت إلى تفسير وإيضاح من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وفسر صلوات الله وسلامه عليه لفظة (الحج) بالسنة العملية امام الصحابة حينما ادى مناسكك الحج وقال لهم : ((خذوا عني مناسككم ))( ) فكان هذا الفعل بيانا و تفسيرا للفظة (الحج) في لقوله تـعـالى : ((و للّهِ على الناسِ حجُ البيتِ من استطاعَ اليهِ سبيلاً ))( )؛ ((و هكذا كان الصحابة يستفهمونه كلما تلا عليهم القرآن او اقراهم آية او آيات،كانوا لايجوزونه حتى يستعلموا ما فيه من مرام و مقاصد و احكام ؛ ليعملوا بها و ياخذوا بمعالمها))( ) .
ومن ذلك ايضا قـولـه تـعـالـى: ((و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء))( )، فلفظة المطلقات في النص عامة تدل على كل من طلِّقت سواء أكان الزوج داخلا بها أم لا، فجاءت السنة مخصصه لهذا لعموم المطلقات فخص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الحكم بالمدخول بهن، أما غير المدخول بهن فلا اعتداد لهن.
من هنا نستدل على ان الرسول كان اول مفسر للنص القرآني وان التفسير بدأ مع نزول القرآن الكريم تزامناً.
ولكن ثمة سؤال يثار وهو هل فسر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن الكريم باجمعه؟، وللرد على هذا التساؤل انقسم العلماء في إجابته على صنفين الأول يرى أن الرسول لم يفسر القرآن بأسره؛ بل فسر بعضه دون بعض لان الوارد عنه في الأثر لا يدل على انه قد فسر التعبير القرآني بأسره وتزعم هذا الاتجاه السيوطي؛ إذ يقول: ((الذي صح من ذلك قليل جدا؛ بل أصل المرفوع منه في غاية القلة)) ( ).
على حين مال آخرون إلى أن الرسول قد فسر النص القرآن بأسره، وللخروج من هذا التزاحم نميل إلى أن ثمة تفسيرين للنص القرآن كما ذهب إلى هذا السيد محمد باقر الصدر إذ يرى أن الرسول قد فسر القرآن على مستويين ( ):
1- تفسير عام وهو ما اختص به الصحابة حينما يسألونه عن معنى مفردة ما او دلالة اية معينة لا يعرفون مضمونها تفصيلا.
2- تفسير خاص وهو ما ألهمه إلى الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ فسر له القرآن كله دون استثناء وذلك تأسيسا على تصريح الإمام بذلك، إذ يقول: ((فما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها، و دعا الله لي أن يؤتيني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله، ولا علما أملاه علي وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي كان أو يكون، ولا كتاب منزل على أحد قبله في أمر بطاعة أو نهي عن معصية إلا علمنيه وحفظته فلم أنس حرفا واحدا))( ) .
تأسيساً على قول الإمام نجد أن الرسول قد خصّه بتفسير النص بكامله من أوله إلى اخره وهذا ما لم يميز فيه الرسول أحداً سوى أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ فنستدل من هنا على أن الرسول قد فسر القرآن تارةً على وفق الحاجة إلى ذلك من السائل أو ما يرى فيه الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ضرورة للإيضاح، وهذا تفسير جزئي للنص وتارةً فسره وأوضحه توضيحاً كلياً للإمام (عليه السلام) للبيان بان هذا الإمام سيتولى النيابة عنه في بيان مكنوات النص وخفاياه.
الخــــاتــمـــة
مما تقدم من جهد بحثي يمكن تلخيص الثمرات التي استخلصناها على النحو الآتي:
1- اتضح أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أول مفسر للنص القرآني؛ وذلك من منطلقين:
الاول: ان النص القرآني نفسه قرر تكليف الرسول بإيضاح ما فيه من مرتكزات دلالية لمتلقيه، وذلك بداعي اللام التعليلية المرتبطة بالفعل (لِتُبَيِّنَ) في قوله تعالى ((وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ))؛ من هنا نصل إلى أن التفسير القرآني هو مهمة سماوية منوطة بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في أول الأمر؛ لذا وجب عليه الإيضاح المضموني للناس وهو بهذا أول مفسر للنص بلا نقاش.
والثاني: أن الرسول نفسه هو الصق الناس بالنص وأكثرهم إيماناً بالله ومعرفة بكتابه؛ من هنا يكون هو الأجدر والأولى – على وجه الإطلاق- بتفصيل مكامن كلامه سبحانه؛ فضلا عن أن تَمَلُّكِه القدرة العالية على توظيف (البلاغة) وهمينته على توجيه (الفصاحة) على وفق تميز متفرِّد يدعمان تأهيله لتفسير النص؛ إذ يقول: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا أفصح العرب ولا فخر))( )، فمن كانت له هيمنة على مقاليد الخطاب فصاحة له أن يفهم الخطاب الفصيح –النص القرآني- اكثر من غيره لقدرته الذهنية على انتاج الابداع وفهم ذلك الابداع في وقت معا؛ مع الاحتفاظ بالفارق النوعي بين طبيعة الابداعين؛ حديث الرسول والتعبير القرآني.
2- وجد الباحث أن اغلب التفسيرات التي كانت تتناول النص انما هي تنحصر في حدود بيان المفردة القرآنية فحسب دون التراكيب الجملية او النصوص الكلية، وهذا يدل على ان المحاولات التفسيرية الأولى كانت عبارة عن مقاربات مضمونية (معجمية أو سياقية) مرتبطة في نطاق المفردة فقط، ولعل هذا يفسر لنا داعي ظهور المعجم العربي فيما بعد على اساس ديني؛ فإذا كانت المقاربات الأولى لإيضاح لنص تتحرك في مجال المفردة اللغوية القرآنية ولا تتعداها؛ فان المعجم العربي لابد – والحال هذه- من انه اعتمد في جانب منه على تفسير هذه المفردات؛ إذ يقال أن أول كتاب تفسيري مدون هو كتاب (غريب القرآن) لابن عباس، فان صح هذا فانه يمكن القول أن أول معجم لغريب الألفاظ قد ظهر على يد ابن عباس( ) – وان كان ابن عباس لم يكن في نيته أن يضع معجما للنص القرآني؛ بل كان في دافعه في هذا هو التفسير فحسب- غير ان هذا التوجيه – إذا ما أخذناه باطمئنان- فانه يقوي القول بان ولادة المعجم كانت بداعٍ ديني كحال سائر علوم العربية الأخرى؛ إذ ثمة شك قوي في الدراسات اللغوية يدفع القول بان المعجم العربي قد ظهر لخدمة النص القرآني، غير أن المحاولات الأولى للتفسير القرآني تدفع هذا التدافع وتعزز القول بارتباط نشوء المعجم العربي بالنص القرآني.
3- وجد الباحث أن الصحابة يتفاوتون في فهم النص؛ بل يتفاوتون في طريقة نظرهم وتفسيرهم للنص القرآني نفسه.
4- وصل الباحث إلى قناعة تنص على أن الرسول قد فسر النص القرآني مرتين: الأولى كان تفسيره فيها جزئيا على وفق مقتضى الحاجة وتلبية مطلب السؤال، والثانية فسر فيها النص بكامله إلى الإمام علي (عليه السلام) لمقتضى الهي – لا يحتاج إلى طول تعليل-؛ إذ من المحال أن لا يفسر الرسول النص القرآني بكامله مادام قد كُلِّفَ من قبل السماء بذلك.
([1]) السيد محمد باقر الصدر:بحوث في علوم القرآن: 140- 141.
([1]) سورة البقرة: 151.
([1]) سورة النحل: 44.
([1]) سورة عبس: 31
([1]) الفيض الكاشاني :التفسير الصافي : 5 / 286 .
([1]) سورة عبس : 27- 31.
([1]) الغدير : الأميني: 6 /99، وينظر: الزمخشري: الكشاف: 4/220، والحاكم: المستدرك: 2/514 ، ومناقب أهل البيت (عليه السلام): 340. * قصد الامام بذلك مقالة ابي بكر.
([1])الفيض الكاشاني :التفسير الصافي : 5 /287.
([1]) سورة عبس: 32.
([1]) السيد محمد باقر الصدر:بحوث في علوم القرآن: 142.
([1]) محمد معرفة: التفسير والمفسرون في قشيبه الجديد: 1/157- 158 .
([1]) سورة البقرة: 43
([1]) ينظر: ابن منظور: لسان العرب: 14/465 والطوسي: التبيان: 1/193 والطبرسي: مجمع البيان: 1/96
([1]) الطبرسي: مجمع البيان: 1/96 وينظر: الحائري: مقتنيات الدرر: 1/151
([1]) سورة الحشر: 7
([1]) الطوسي: التبيان: 1/193 وينظر: الطبرسي: مجمع البيان: 1/96
([1]) الطوسي: التبيان: 1/193
([1]) م .ن: 1/54
([1]) البخاري: صحيح البخاري: 1/226
([1]) الحائري: مقتنيات الدرر: 1/40 وينظر: الشيرازي: الامثل: 1/161 وشبر: الجوهر الثمين: 1/66
([1]) ينظر: مسند الشافعي ترتيب السندي:963، والموطأ (روايةمحمد بن الحسن): 2/329.
([1]) سورة آل عمران: 97.
([1]) محمد معرفة: التفسير والمفسرون في قشيبه الجديد: 1/ 158.
([1]) سورة البقرة: 228.
([1]) السيوطي: الاتقان في علوم القرآن: 2/473.
([1]) السيد محمد باقر الصدر:بحوث في علوم القرآن: 148.
([1]) الخصال: الشيخ الصدوق : 257 .
([1]) الجصاص: أحكام القرآن: 3/163، وينظر: الباقلاني: إعجاز القرآن: 291.
([1]) إذ يذكر بروكلمان أن من هذا الكتاب نسخة مخطوطة موجودة في برلين الآن.
ينظر: رشيد العبيدي آخرون: تاريخ العربية:68، والزيات: تاريخ الأدب العربي: 1/731.