النجف نيوز – مرض التوحد : داء (الإبداع) عانى عظماء البشرية من أعراضه

نوفمبر 2, 2013
87

اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحّد

يقول الطبيب الهولندي “نايس بيتر دي” من مركز (ايراسموس) الطبي في العاصمة الهولندية أمستردام: إن مرض (التوحد) نال اسم (داء الإبداع) عن جدارة، لأن الكثير من (عظماء) البشرية الذين عانوا من أعراضه، تفتّقت امكانياتهم وعقولهم عن انجازات يُشار لها بالبنان في مجالات العلوم والثقافة والفن، مشيرا الى ان “الاعراض التي عانوا منها، لم تكن عائقاً أمام استلهام الافكار وتوظيفها في خدمة الانسان”.

وبحسب بيتر دي، فإن “علماء النفس الذين اشبعوا الحالات المرضية مقارنةً وتحليلاً، بعد دراسة أمزجة وطبائع الناس المصابين بالتوحد، توصلوا الى ان (التوحّد الكلاسيكي لأسبرجر PDD NOS )، لا يعني ان زمام الأمور تفلت من أيدي المصابين بهذا الداء، بل على العكس من ذلك، اذ سرعان ما يفصح اولئك في مراحل متقدمة من العمر، عن أعمال مبتكرة وأفكار خلّاقة، على رغم المعاناة من مرض ينتشر بشكل مضطرد في مختلف دول العالم.سلوكيات مضطربة

والتوحّد (Autismus‏) هو إعاقة ذَاتَوِيَّة تحول دون استيعاب ومعالجة المعلومات من قبل الدماغ ليحول دون اتصال الطفل بالمحيط من حوله، ليتبلور الامر عن سلوكيات اجتماعية مضطربة تؤثر في الأنشطة العقلية بمناطق التفكير وبالقدرة على التعلم واكتساب المهارات. 

ويشير الطبيب بيتر دي الى سني الطفل الاولى التي تتطور فيها الامكانيات الادراكية، والوعي، وتتوجّه فيها السلوكيات لأخذ شكلها وقالبها، اذا ما ظهر المرض فيها، فإن ذلك سيؤثر في (تمبو) النمو الطبيعي للمخ، ويترك آثاره على مهارات التواصل الاجتماعي.و لا يقتصر التوحد على طبقة اجتماعية معينة، بل يصيب الناس من جميع الأجناس والأعراق أيضا، منذ اكتشافه العام 1944، ليصيب على الأقل واحدا من كل 150 طفلا من الجنسين في العالم، ليكون أسرع أمراض الإعاقة انتشارا، حيث تجاوزت نسبة المصابين به العام 2012، أعداد المصابين بالسرطان أو الإيدز أو الإعاقات الأخرى.

التوحد في العراق

وفي العراق فإن بحثاً لمعهد الدراسات في جامعة كامبريدج البريطانية أُجري العام 2011 عن مرضى التوحد، أفاد بأن الداء ينتشر بنسبة كبيرة مقارنة بالسنوات التي سبقت الحرب في العراق العام 2003، وبلغ عدد الحالات نحو 75 حالة لكل عشرة آلاف شخص بين الأعمار ما بين خمسة الى عشرة أعوام.

في حين ذكر موقع جامعة غيلفورد الأميركية العام 2012، أن هناك أكثر من 5 آلاف طفل عراقي يصارعون مرض التوحّد، و ربما تكون هناك حالات أكثر لم يتم تشخيصها بعد، بسبب النقص في الامكانيات والمراكز المتخصصة. 

وعلى رغم الأسباب الكثيرة للإصابة بهذا المرض في مختلف دول العالم،ومنها الأسباب الجينية، حيث تزداد الإصابة بين التوائم المتطابقين (من بيضة واحدة) أكثر من التوائم الآخرين (من بيضتين مختلفتين) وكذلك أسباب أخرى محتملة تسببها التهابات فيروسية، فإن الدكتور كاظم الخفاجي في حديثه لـ ( الصباح ) يُرجِع أسبابه في العراق، الى البيئة الملوثة بالمواد الكيماوية والعناصر الثقيلة مثل الزئبق والرصاص، وأنواع الفيروسات التي تكثر في الأجواء الحارة.

ولعلّ ما يزيد من معاناة المصابين بحسب الخفاجي، انحسار الاهتمام المجتمعي بالمصابين بسبب نقص الوعي، الى الحدّ الذي يطلق فيه البعض على المرضى اسم ( بطيئي التعلم)، ناهيك عن عدم وجود مؤسسات صحية، لاسيما النفسية منها، تتخصص في علاج المرضى. تشيرالناشطة الاجتماعية شيرين سعدون الى” عدم وجود معاهد حكومية متخصّصة للتدريب والتأهيل، كما ان الموجود منها يجمع اربعة او خمسة أنواع من الإعاقات المختلفة في بناية واحدة وهذا ما يجعل التدريب فيها أمرا صعباً “.

يوم عالمي

وسمّت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ العام 2007، يوم الثاني من نيسان من كل عام، يوماً عالمياً لمرض التوحد، في سعي للتعريف به والتحذير من مضاعفاته، وتشجيع الدول ومؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة ومؤسسات المجتمع المدني على نشر الوعي به.

و تتحدث سعاد الجبوري، وهي عراقية مقيمة في هولندا منذ عشر سنوات، عن طفلها المصاب بالتوحّد، بعدما اكتشف الاخصّائي النفسي صعوبات تواجهه في التواصل والتفاعل الاجتماعيين.

وتتابع الجبوري، القول في حديثها لـ (الصباح):” كانت الملاحظة الاولى التي قادت الى اكتشاف حقيقة مرض ابنها أحمد، سلوكياته المتكرّرة المتشابهة، حيث كان يهز رقبته بصورة تراتبية، كما كان يطيل النظر في الاشياء، ويبدو وكأنه يتأمل في حل مشكلة ما”. 

وتضيف :” يعاني أحمد الى الان من عدم قدرته في التواصل مع الآخرين، يصاحب ذلك فترات من الحزن والكآبة تؤثر في مزاجه وسلوكه داخل محيط الاسرة ايضا، كما يرفض تقديم المساعدة له من قبل الاخرين “.وتأكّدت حالة احمد المرضية، بحسب الجبوري، بعد عدّة اختبارات أٌجريِت له في عيادة الطبيب النفسي للعائلة، اعتمدت على الملاحظة المباشرة شبه اليومية لسلوكياته وتصرفاته،فضلا عن فحوصات دورية لوظائف جسمه ومعدلات نموه. 

وتعتقد الجبوري أن “تعيين باحث نفسي يزور المريض في البيت، ويصحبه ثلاث مرات في الاسبوع الى مصحات نفسية وأماكن ترفييهية كان له دور كبير في تحسن حالته ومزاجه”، مشيرة إلّا ان “هكذا اهتمام بعلاجه أمر يفتقر اليه المصابون بالمرض في العراق”.

مقارنة غير عادلة

ومقارنةً بمريض يعاني من المرض في داخل العراق، يشير كريم الطائي في بغداد في حواره مع (الصباح ) الى ان ما يزيد من معاناة ابنه هيثم (12 سنة)، المصاب بمرض التوحد، هو عدم وجود المصحات النفسية التي تسهم في التخفيف من وطأة المرض على حالته النفسية.

ويستطرد:”تقتصرالعلاجات في العراق على منحه العقاقير والأدوية التي تسهم في التأثير على حركته اليومية، والتقليل من هواجس الخوف والخجل التي يعاني منها “. وبحسب الطائي، فان الاطباء،” اعترفوا له بعدم توفر داء خاص بالمرض”.

جدير بالذكر، ان العراق يتوفر على أعداد محدودة لمصحّات علاج ورعاية مرضى التوحّد أهمّها مركز (اوتزم أربيل للتوحّد)، كما توجد عدّة مراكز أهلية في بغداد، وفي كربلاء تأسس (معهد الرحمن) لرعاية مرضى التوحد.

وفي احدى المصحّات النفسية التي تقدم الخدمات لمرضى التوحّد في مدينة ايندهوفن في الجنوب الهولندي، تشير الباحثة ياسمينا فوند في حديثها لـ ( الصباح) الى أن “المرضى يتشابهون في الصفات المرضية وأبرزها انطوائية السلوك الاجتماعي تجاه الاخرين”.وتسترسل ياسمينا في حديثها، وهي تتجول بين نحو عشرة اطفال تشرف على علاجهم مع مجموعة من اصحاب الاختصاص” المركز يعنى بالدرجة الاولى بالأطفال (المتقوقعين) اجتماعيا بشكل حاد، وأما الحالات الاقل وطأة فيعنى بها مركز آخر، بينما يعالج اصحاب الحالات الخفيفة بين أسرهم في بيوتهم”.

وأبرز الحالات التي يعاني منها اولئك، بحسب ياسمينا ” الغضب، وردود الافعال الحادة، تجاه الاحداث، والسعي الى عدم الاحتكاك مع الاشخاص حتى وان اضطرهم ذلك الى القيام بحركات غريبة، ومريبة في الوقت نفسه”.

وتستطرد بالقول “: علاجنا لا يتركز على الادوية والعقاقير المهدئة بل على خلق بيئة مناسبة تحثّهم على التواصل الاجتماعي مع الآخرين وإتاحة فرص الاختلاط بالآخرين، ونيل الثقة المتبادلة فيما بينهم”.وبحسب ياسمينا فإن ” طرق العلاج لا تركّز، على اعطاء الادوية المُساعِدة في الاضطرابات النفسية (اذ لا توجد ادوية خاصة بمرض التوحد )، بل على اجراء التمارين النفسية التي تمكّن المريض من التواصل، أو عبر خلق علاقات تبادلية مع المرضى فيما بينهم، اذ اثبتت التجارب ان هؤلاء المرضى يتجاوبون فيما بينهم بشكل أكبر”.

علاج روحي

وحال مرض (التوحّد) يشبه الكثير من الامراض التي تجد الشعوذة والسحر فيها، باباً للتفسيرات الغيبية، والتربّح من قبل مشعوذين يستغلون حاجة الناس الى الشفاء. ففي الكثير من البلدان يرى البعض ـ في التوحّد مرضا ( روحيا) من تأثير الشياطين في المريض، مثل الحسد والسحر والمس، بل ان البعض يرى في جسم المريض مسكنا لأرواح الشياطين جعلت منه شخصاً انطوائياً عاجزاً عن اقامة علاقات طبيعية مع الآخرين.

لكن هناك من يعتقد بقدرة (الايمان) على علاج مرضى التوحّد، اذ يؤكد رجل الدين الجزائري سفيان عبد الرحمن لـ( الصباح)، معايشته عن كثب لأطفال مرضى التوحّد في هولندا وبلجيكا والجزائر، شفاهم الله من علتهم عبر العلاج بالقرآن. وأضاف سفيان في حديثه لـ ( الصباح ):” فشلت العلاجات العصرية في توفير الشفاء للطفل عبد الله من الجزائر، كما يأس أهله من حالته المرضية، حتى ارشدهم الله الى العلاج بكتابه الكريم”. واستطرد سفيان بالقول :” حفظ الفتى القرآن الكريم، وأسماء الله الحسنى، فشفي من الصرع وجميع أعراض التوحد “.

مرض المشاهير

يرسم الكثير من خبراء النفس علاقة جدلية بين العبقرية ومعاناة المرضى التي صقلت مواهب العظماء في مجالات الرسم والموسيقى والعلوم والآداب. وفي محاولة علمية لتفسير ذلك، يفسّر العلماء ظاهرة الابداع لدى مرضى التوحّد الى ان الابتكار يتطلب إيقاف جزء من المخ وهو الجانب الأيسر المسؤول عن النطق، والذي يكبح بدوره الجانب الأيمن المسؤول عن الفن والإبداع والموسيقى والرياضيات. ولعل هذا يفسّر كيف ان الكثير من العبقريات في مجالات الرسم والموسيقى والرياضيات هي لأشخاص ( ذاتويين) أي مصابون بداء التوحد.

وأثبت العالم بروس ميللر أستاذ الأعصاب بجامعة كاليفورنيا بسان فرانسسكو أن أنواعا من ضعف الذاكرة يحفّز الطاقات الفنية للإنسان المسن الذي كان لا يظهر أية موهبة أو عبقرية في الرسم أو الموسيقى من قبل، إلّا أن هذا النبوغ والعبقرية تبدأ في الظهور على حساب القدرة اللغوية والمهارات والقدرات الاجتماعية.

نيوتن و اينشتاين

كان العالم الانكليزي اسحاق نيوتن الذي وضع قوانين الجاذبية ومبتكر العديد من المعادلات والقوانين الرياضية يعاني بشكل كبير من عدم قدرته على التخاطب والتواصل الاجتماعي مع الاخرين. كما لم يستطع العالم توماس أديسون، مخترع المصباح، من القراءة حتى أصبح في سن الثانية عشرة، وكانت مهاراته في الكتابة ضعيفة جداً طوال حياته. وكان ألبرت اينشتاين، الذي يعد من أعظم علماء القرن العشرين، ومنح جائزة نوبل في الفيزياء العام 1921،بطيء التعلم كثير الحياء، لاحتمال إصابته بخلل وظيفي بالدماغ.، كما كان يثير الفضول بالحركات المضطربة لعيونه.

وعانى الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر، والذي حكم خلال الفترة من العام 1933 الى 1945، وأبرز القادة في التاريخ العالمي، من اعراض ( التوحد )، اذ كان ميّالا للعزلة في سني حياته الاولى، كما عُرِف بسلوكياته التي تتجنب الاخرين. واشتهر ال غورالسياسي الديمقراطي الأميركي، والذي شغل منصب نائب رئيس الولايات المتحدة من 1993 الى 2001، و كان مرشحاً منافساً في الانتخابات الرئاسية العام 2000، بإصابته بمرض التوحد، وبدا ذلك واضحا في الكثير من تصرفاته لاسيما في طفولته، فقد عُرف بخجله وإنطوائيته، وعدم جرأته أمام الاخرين، فضلا عن حركاته الجسمية

الغريبة.

غيتس و جيفيرسون

وبيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت و أغنى شخص في العالم على مدى عدّة سنَوات، عانى كثيرا من انطوائيته وغرابة أطواره التي كانت احد اعراض مرض (اسبيرجر). وعانى توماس جيفيرسون الزعيم الثالث للولايات المتحدة الأميركية، والرجل والسياسي والفيلسوف الثائر، من الكثير من صعوبات التعلم، وعُرَف بتأثير مرض التوحّد على افكاره

وسلوكياته.

موزارت 

وعاني موزارت، أبرز وأشهر ملحّن موسيقي كلاسيكي غربي، وملهِم الكثير من الموسيقيين الذين أحبوا أعماله ورددوها، من مشاكل السمع كما هو عند بيتهوفن وموزارتس.

وعلى رغم من خيبات الأمل الكثيرة التي اصابت الاطباء والعلماء في عدم قدرتهم على اكتشاف علاج فعّال لمرضى ( التوحّد)، فإن دراسة قام بها الباحثون بجامعة كاليفورنيا افادت بتوصلهم العام 2012، 

الى علاج أحد أشكال مرض التوحّد الذي ينتقل 

وراثيا إلى الأطفال بسبب بعض التشوّهات الجينية النادرة.

وجاء في الدراسة التي نشرتها مجلة تايم الأميركية، أن”الباحثين تمكّنوا من التوصل لعلاج هذا النوع من مرض التوحّد من خلال نظام غذائي يحفز و يرفع معدلات (الأحماض الآمينية المتفرّعة السلسلة)، التي تحتوي عليها الجينات المشوّهة عند المريض”.

وفي ذات الوقت، أعلن باحثون عن علاج مبتكر 

جديد عبر توظيف أطعمة غنية بالأحماض الآمينية تعدل الجينات المصابة بالتشوّهات، بأخرى لا يفرزها جسم الإنسان مما يتطلب تأمينها من مصادر خارجية.

 الصباح

التصنيفات : ارشيف الاخبار
استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والاعلان