النجف نيوز – ثورة الحسين في الكتابات المسيحيَّة
كتب / يوسف محسن
الفداء والاستشهاد يشكلان حجر الزاوية في المسيحية، وقد عاش السيد المسيح وتحرك وقدم نفسه فاديا لشعبه، لذا فإن الاستشهاد له جوانبه الروحية، والمسيحي يقدس ثيمة الاستشهاد، حيث يجد تشابها بين الفادي المسيحي والفادي الحسيني في الجوهر والهدف بغض النظر عن الاختلاف حول مسألة الصلب، لكونهما يمثلان الحلقة الحيوية للدفاع عن الحق
فضلا عن ذلك هي علاقة نابعة من الإيمان المسيحي بعظمة من يقدم على الاستشهاد في سبيل العقيدة، ولكون الإنسانية جمعاء تشترك في ثوابت واحدة لا تتبدل، ونعني بها ثوابت الخير والشر والظلم والعدل, ومن هذا المنطلق والفهم تكون شخصية الحسين لجميع الأديان الى درجة يقول الشاعر اللبناني بوليس سلامة: جلجل الحق في المسيحي حتى عد من فرط حبه علوياً .
نماذج من الأدب المسيحي
في كتاب «الاب والابن وروح القدس» للباحث محمد رضا زائري يطلعنا على بعض النماذج البارزة لكتاب وشعراء مسيحيين لبنانيين تجسد فيهم العشق العلوي والملحمة الحسينية بمن فيهم جبران خليل جبران وجورج جرداق وبوليس سلامة وجورج شكور وسليمان كتاني وفيكتور كك وريمون قسيس وجورج زكي الحاج تجاه الإمام
الحسين.
أما كتاب (الحسين في الفكر المسيحي) للدكتور أنطوان بارا فهو يعد احد الكتابات الجادة في هذا الحقل، إذ قام الباحث بمقارنة حياة عيسى و مماته من وجهة النظر المسيحية و حياة الحسين و مماته من وجهة النظر الإسلامية عبر استخدام النظريات الإسلامية والمسيحية. وقام الباحث بالكثير من الدراسات التاريخية وأضاف ملحقات وهوامش
للكتاب.
فقد اختلفت طريقة تأليف الكتاب عما كتبه المسلمون و المستشرقون كما يعتقد الكثير أنه كتب من دون تحيز.
يقول الباحث أنطوان بارا: لم يسجل التاريخ شبيها لاستشهاد الحسين في كربلاء، فاستشهاده وسيرته عنوان صريح لقيمة الثبات على المبدأ، ولعظمة المثالية في أخذ العقيدة وتمثلها، فقد جاءت صيحته نبراسا لبني الإنسان في كل عصر، وتحت أية عقيدة انضوى؛ إذ إن أهداف الأديان هي المحبة والتمسك بالفضائل لتنظيم علاقة الفرد بربه أولا، وبأخيه ثانيا.
تفسير الحدث الحسيني
يرى المؤلف أن «الحسين هو حفيد النبي وهما نور واحد، إذ قام للحق والهداية كالمسيح، فكانا في طريقٍ واحد، جده الذي بعث للناس جميعا، كما يعلن أصول ثورته الإصلاحية فهي أمر بالمعروف ونهي عن المنكر. حتى يكون انسجام الإنسان مع الحق، هي أحد دروس الثورة المعروفة في ضمير الأديان والتي أوضحها الحسين بحبر جديد من دم الشهادة المحررة المنقذة؟» الباحث يفسر الحدث الحسيني ضمن القاموس المسيحي، فيرى ان «ضعف الجسد مصدر الألم، واستعداد الروح لتنفيذ المشيئة العليا، يصلها بينبوع السرور الخالد فلا موت، والنصر الحقيقي لايكون إلا انسجاما مع التوجه الينبوعي الطاهر، وهل ينتصر من يخسر نفسه ولو ربح العالم؟ بهذا المقياس الانتصاري، انسجم الحسين مع التوجه الينبوعي الطاهر، فكان منتصرا في شهادته وشهادة آل بيته؟ وثورته كانت وثبة شجاعة من أعماق سجون التسلط وكسر جدران العبودية للبحث عن هواء الحرية بالفداء في فضاء الزمان، ليصل الهواء النقي ببعضه، من ماضٍ وحاضرٍ وآتٍ»، الباحث يوضح أن «تلك الثورة إنما هي خروج محب من أجل الجماعة، ولو كان هذا الخروج الثوري موديا بحياته وحياة أبنائه وبناته، فهو يطلب الإصلاح المتمثل بثلاثة مواقف: الإيمان، والأمر، والنهي، تلك المواقف المكتوبة في التوراة والإنجيل، فانطلق إلى كربلاء؛ ليكون عاشوراء، وليبقى الفداء ضمير
الأديان المطور».
جوهر ضمير الأديان
إن بحث أنطوان بارا بمجمل فصوله يؤكد حقيقة تجلت له، وجسدها بقوله: فقد كان الحسين شمعة الإسلام أضاءت وهي تمثل ضمير الأديان إلى أبد الدهور، إن هذه النتيجة مثيرة للغاية، لأنها تحكم الماضي والمستقبل، ومقياس الحكم فيها ثورة الحسين الواقعية، ثم مثالية الرمز في شخصيته.
الصباح